فصل: قال الخازن:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.من أقوال المفسرين:

.قال الفخر:

{مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآَمَنْتُمْ} أيعذبكم لأجل التشفي، أم لطلب النفع، أم لدفع الضرر، كل ذلك محال في حقه لأنه تعالى غني لذاته عن الحاجات، منزّه عن جلب المنافع ودفع المضار، وإنما المقصود منه حمل المكلفين على فعل الحسن والاحتراز عن القبيح، فإذا أتيتم بالحسن وتركتم القبيح فكيف يليق بكرمه أن يعذبكم. اهـ.

.قال القرطبي:

{مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآَمَنْتُمْ}
استفهام بمعنى التقرير للمنافقين.
التقدير: أي منفعة له في عذابكم إن شكرتم وآمنتم؛ فنبه تعالى أنه لا يعذب الشاكر المؤمن، وأنّ تعذيبه عباده لا يزيد في ملكه، وتركه عقوبتهم على فعلهم لا ينقص من سلطانه.
وقال مكحول: أربع من كنّ فيه كنّ له، وثلاث من كنّ فيه كنّ عليه؛ فالأربع اللاتي له: فالشكر والإيمان والدعاء والاستغفار، قال الله تعالى: {مَّا يَفْعَلُ الله بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَآمَنْتُمْ} وقال الله تعالى: {وَمَا كَانَ الله لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ الله مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} [الأنفال: 33] وقال تعالى: {قُلْ مَا يَعْبَأُ بِكُمْ رَبِّي لَوْلاَ دُعَاؤُكُمْ} [الفرقان: 77].
وأما الثلاث اللاتي عليه: فَالمَكْرُ وَالبَغْيُ والنَّكْثُ؛ قال الله تعالى: {فَمَن نَّكَثَ فَإِنَّمَا يَنكُثُ على نَفْسِهِ} [الفتح: 10] وقال تعالى: {وَلاَ يَحِيقُ المكر السيئ إِلاَّ بِأَهْلِهِ} [فاطر: 43] وقال تعالى: {إِنَّمَا بَغْيُكُمْ على أَنفُسِكُمْ} [يونس: 23]. اهـ.

.قال الألوسي:

{مَّا يَفْعَلُ الله بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَءامَنْتُمْ} خطاب للمنافقين وقيل: للمؤمنين، وضعف مسوق لبيان أن مدار تعذيبهم وجودًا وعدمًا إنما هو كفرهم لا شيء آخر، فتكون الجملة مقررة لما قبلها من (ثباتهم عند توبتهم)، و{مَا} استفهامية مفيدة للنفي على أبلغ وجه وآكده، وقيل: نافية والباء سببية، وقيل: زائدة أي أيّ شيء يفعل الله سبحانه بسبب تعذيبكم أيتشفى به من الغيظ أم يدرك به الثأر أم يستجلب [به] نفعًا أو يستدفع به ضررًا كما هو شأن الملوك، وهو الغني المطلق المتعالي عن أمثال ذلك؟ وإنما هو أمر يقتضيه مرض كفركم ونفاقكم فإذا احتميتم عن النفاق ونقيتم نفوسكم بشربة الإيمان والشكر في الدنيا برئتم وسلمتم وإلا هلكتم هلاكًا لا محيص عنه بالخلود في النار، وإنما قدم الشكر مع أن الظاهر تأخيره لأنه لا يعتد به إلا بعد الإيمان لما أنه طريق موصل إليه في أول درجاته، فقد ذكر العارف أبو إسماعيل الأنصاري أن الشكر في الأصل اسم لمعرفة النعمة لأنها السبيل إلى معرفة المنعم وله ثلاث درجات لأنه إذا نظر إلى النعمة كالرزق والخلق ينبعث منه شوق إلى معرفة المنعم وهذه الحركة تسمى باليقظة والشكر القلبي والشكر المبهم لأن منعمه لم يتضح له تعيينه، وإنما عرف منعمًا مّا فهو منعم عليه فإذا تيقظ لهذا وفق لنعمة أكبر منها، وهي المعرفة بأن المنعم عليه هو الصمد الواسع الرحمة المثيب المعاقب فتتحرك جوارحه لتعظيمه؛ ويضيف إلى شكر الجنان شكر الأركان، ثم ينادي على ذلك الجميل باللسان، ويقول:
أفادتكم النعماء مني ثلاثة ** يدي ولساني والضمير المحجبا

فالمذكور في الآية هو الشكر المبهم وهو مقدم على الإيمان، فلا حاجة إلى ما زعمه الإمام من أن الكلام على التقديم والتأخير أي آمنتم وشكرتم، وأما القول: بأن هذا السؤال إنما هو على تقدير أن تكون الواو للترتيب، وأما إذا لم تكن للترتيب فلا سؤال فمما لا ينبغي أن يتفوه به من له أدنى ذوق في علم الفصاحة والبلاغة لأن الواو وإن لم تفد الترتيب لكن تقديم ما ليس مقدمًا لا يليق بالكلام الفصيح فضلًا عن المعجز، ولذا تراهم يذكرون لما يخالفه وجهًا ونكتة، وذكر النيسابوري وجهًا آخر في التقديم لكنه بناه على إفادة الواو للترتيب فقال: لعل الوجه في ذلك أن الآي مسوقة في شأن المنافقين ولا نزاع في إيمانهم ظاهرًا وإنما النزاع في بواطنهم وأفعالهم التي تصدر عنهم غير مطابقة للقول اللساني، فكان تقديم الشكر هاهنا أهم لأنه عبارة عن صرف جميع ما أعطاه الله تعالى فيما خلف لأجله حتى تكون أفعاله وأقواله على نهج السداد وسنن الاستقامة انتهى، ولايخفى أنه لم يحمل الشكر في الآية على الشكر المبهم، ولا يخلو عن حسن.
وأوضح منه وأطيب ما حاك في صدري، ثم رأيت العلامة الطيبي عليه الرحمة صرح به أن الذي يقتضيه النظم الفائق أن هذا الخطاب مع المنافقين، وأن قوله سبحانه: {مَّا يَفْعَلُ الله بِعَذَابِكُمْ} متصل بقوله تعالى: {إِنَّ المنافقين في الدرك الأسفل مِنَ النار وَلَن تَجِدَ لَهُمْ نَصِيرًا} [النساء: 145] إلخ، وتنبيه لهم على أن الذي ورطهم في تلك الورطة كفرانهم نعم الله تعالى وتهاونهم في شكر ما أوتوا وتفويتهم على أنفسهم بنفاقهم البغية العظمى، وهو الإسعاد بصحبة أفضل الخلق صلى الله عليه وسلم والانخراط في زمرة الذين مثلهم في التوراة ومثلهم في الإنجيل فإذا تابوا وأصلحوا واعتصموا بالله تعالى وأخلصوا دينهم له فأولئك حكمهم أن ينتظموا في سلك أولئك السعداء من المؤمنين بعد ما كانوا مستأهلين الدرجات السفلى من النيران، ثم التفت تعريضًا لهم أن ذلك العذاب كان منهم وبسبب تقاعدهم وكفرانهم تلك النعمة الرفيعة وتفويتهم على أنفسهم تلك الفرصة السنية وإلا فإن الله تعالى غني مطلق عن عذابهم فضلًا على أن يوقعهم في تلك الورطات، فقوله عز وجل: {إِن شَكَرْتُمْ} فذلكة لمعنى الرجوع عن الفساد في الأرض إلى الإصلاح فيها، ومن اللجأ إلى الخلق إلى الاعتصام بالله تعالى، ومن الرياء في الدين إلى الإخلاص فيه، فقوله عز من قائل: {وَءامَنتُمْ} تفسير له وتقرير لمعناه أي: وآمنتم الإيمان الذي هو حائز لتلك الخلال الفواضل جامع لتلك الخصال الكوامل، فتقديم الشكر على الايمان وحقه التأخير في الأصل إعلام بأن الكلام فيه، وأن الآية السابقة مسوقة لبيان كفران نعمة الله تعالى العظمى والكفر تابع فإذا أخر الشكر أخل بهذه الأسرار واللطائف، ومن ثم ذيل سبحانه الآية على سبيل التعليل بقوله جل وعلا:
{وَكَانَ الله شاكرا} أي مثيبًا على الشكر {عَلِيمًا}. اهـ.

.قال ابن عاشور:

{مَا يَفْعَلُ اللَّهُ بِعَذَابِكُمْ إِنْ شَكَرْتُمْ وَآَمَنْتُمْ}
تذييل لكلتا الجملتين: جملة {إنّ المنافقين في الدرك الأسفل من النار} مع الجملة المتضمنّة لاستثناء من يتوب منهم ويؤمن، وما تضمّنته من التنويه بشأن المؤمنين من قوله: {وسوف يؤت الله المؤمنين أجرًا عظيمًا} [النساء: 146].
والخطاب يجوز أن يراد به جميع الأمّة، ويجوز أن يوجّه إلى المنافقين على طريقة الالتفات من الغيبة إلى الخطاب ارتفاقًا بهم.
والاستفهام في قوله: {ما يفعل الله بعذابكم} أريد به الجواب بالنفي فهو إنكاري، أي لا يفعل بعذابكم شيئًا.
ومعنى {يفْعَلُ} يصنع وينتفع، بدليل تعديته بالباء.
والمعنى أنّ الوعيد الذي تُوعِّد به المنافقون إنّما هو على الكفر والنفاق، فإذا تابوا وأصلحوا واعتصموا بالله غفر لهم العذاب، فلا يحسبوا أنّ الله يعذّبهم لِكراهة في ذاتهم أو تشفّ منهم، ولكنّه جزاء السوء، لأنّ الحَكيم يضع الأشياء مواضعها، فيجازي على الإحسان بالإحسان، وعلى الإساءة بالإساءة، فإذا أقلع المسيء عن الإساءة أبطل الله جزاءه بالسوء، إذ لا ينتفع بعذاب ولا بثواب، ولكنّها المسبّبات تجري على الأسباب.
وإذا كان المؤمنون قد ثبتوا على إيمانهم وشُكرهم،.
وتجنّبوا موالاة المنافقين والكافرين، فالله لا يعذّبهم، إذ لا موجب لعذابهم. اهـ.

.قال الفخر:

قالت المعتزلة: دلت هذه الآية على قولنا، وذلك لأنها دالة على أنه سبحانه ما خلق خلقًا لأجل التعذيب والعقاب، فإن قوله: {مَّا يَفْعَلُ الله بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَءامَنْتُمْ} صريح في أنه لم يخلق أحدًا لغرض التعذيب، وأيضًا الآية تدل على أن فاعل الشكر والإيمان هو العبد وليس ذلك فعلًا لله تعالى، وإلا لصار التقدير: ما يفعل الله بعذابكم إذا خلق الشكر والإيمان فيكم ومعلوم أن هذا غير منتظم، وقد سبق الجواب عن هذه الكلمات. اهـ.
قال الفخر:
قال أصحابنا: دلت هذه الآية على أنه لا يعذب صاحب الكبيرة لأنا نفرض الكلام فيمن شكر وآمن ثم أقدم على الشرب أو الزنا، فهذا وجب أن لا يعاقب بدليل قوله تعالى: {مَّا يَفْعَلُ الله بِعَذَابِكُمْ إِن شَكَرْتُمْ وَءامَنْتُمْ} فإن قالوالآنسلم أن صاحب الكبيرة مؤمن، قلنا: ذكرنا الوجوه الكثيرة في هذا الكتاب على أنه مؤمن. اهـ.
قال الفخر:
{وَكَانَ الله شاكرا عَلِيمًا} لأنه تعالى لما أمرهم بالشكر سمى جزاء الشكر شكرًا على سبيل الاستعارة، فالمراد من الشاكر في حقه تعالى كونه مثيبًا على الشكر، والمراد من كونه عليمًا أنه عالم بجميع الجزئيات، فلا يقع الغلط له ألبتة، فلا جرم يوصل الثواب إلى الشاكر والعقاب إلى المعرض. اهـ.

.قال القرطبي:

{وَكَانَ الله شَاكِرًا عَلِيمًا} أي يشكر عباده على طاعته.
ومعنى {يشكرهم} يثيبهم؛ فيتقبل العمل القليل ويعطي عليه الثواب الجزيل، وذلك شكر منه على عبادته.
والشكر في اللغة الظهور، يقال: دابة شكور إذا أظهرت من السمن فوق ما تُعطَي من العلف، وقد تقدّم هذا المعنى مستوفى.
والعرب تقول في المثل «أشْكَرُ من بَرْوَقَة» لأنها يقال: تخضرّ وتنضُر بظلّ السحاب دون مطر. والله أعلم. اهـ.

.قال ابن عاشور:

وجملة {وكان الله شاكرًا عليمًا} اعتراض في آخر الكلام، وهو إعلام بأنّ الله لا يعطّل الجزاء الحسن عن الذين يؤمنون به ويشكرون نعمَهُ الجمّة، والإيمان بالله وصفاته أوّل درجات شكر العبد ربّه. اهـ.

.قال الخازن:

قوله تعالى: {ما يفعل الله بعذابكم إن شكرتم وآمنتم} هذا استفهام تقرير معناه أنه تعالى لا يعذب الشاكر المؤمن فإن تعذيبه لا يزيد في ملكه وتركه عقوبته لا ينقص من سلطانه لأنه الغني الذي لا يحتاج إلى شيء من ذلك فإن عاقب أحدًا فإنما يعاقبه لأمر أوجبه العدل والحكمة فإن قمتم بشكر نعمته وآمنتم به فقد أنقذتم أنفسكم من عذابه قال أهل المعاني فيه تقديم وتأخير تقديره إن آمنتم وشكرتم لأن الإيمان مقدم على سائر الطاعات ولأن الشكر لا ينفع مع عدم الإيمان ولأن الواو لا توجب الترتيب وقيل هو على أصله والمعنى أن العاقل ينظر بعين بصيرته أولًا إلى ما عليه من النعمة العظيمة في إيجاده وخلقه فيشكر على ذلك شكرًا عظيمًا مبهمًا ثم إذا تمم النظر ثانيًا انتهى به النظر إلى معرفة المنعم عليه فآمن به ثم شكره شكرًا مفصلًا فكان ذلك الشكر المبهم مقدمًا على الإيمان فلذلك قدم الشكر على الإيمان في الذكر {وكان الله شاكرًا} يعني مثيبًا عباده المؤمنين موفيًا أجورهم والشكر من الله الرضا بالقليل من أعمال عباده وإضعاف الثواب عليه وقيل لما أمر الله عباده بالشكر سمى الجزاء شكرًا على سبيل الاستعارة فالمراد من الشاكر في صفة الله تعالى كونه مثيبًا على الشكر {عليمًا} يعني بحق شكركم، وإيمانكم فيجازيكم على ذلك. اهـ.